كتب أنطوان الأسمر في "اللواء":
إنتقلت الأزمة اللبنانية، بالكامل، إلى الخارج، وصارت موزّعة بين الفاتيكان وباريس ونيويورك والدوحة. زادها هذا التوزّع تشتّتا، فيما المسؤولون في بيروت يفقدون، أو يكادون، أي قدرة، لو بسيطة، على التأثير والمبادرة والابتكار.
تتسابق الأزمة السياسية مع نظيرتها المالية والاقتصادية. ثمة إجماع على أن البلد لا يحتمل أكثر من شهرين قبل أن يُطاح بالستاتيكو المالي الذي جمّد الإنهيار عند عتبة التسعين ألفاً للدولار في السوق الموازية. على الرغم من ذلك، يقف المجلس النيابي والحكومة عاجزَيْن تماما أمام تحقيق إختراق الحد الأدنى في الإصلاح. وكان صندوق النقد الدولي مباشرا في اتهامهما بالتقصير، وهو تقصير بطعم التآمر على اللبنانيين. حتى أن رئيس بعثة الصندوق إلى لبنان أرنستو راميريز ريغو مرّت في خاطره، في الآونة الأخيرة، الإستقالة من منصبه كخطوة احتجاجية صارخة على الجريمة التي ترتكبها السلطتان التشريعية والتنفيذية، ويشهد هو عليها عاجزا ومستاء.
مع انعدام الحراك الداخلي، أصبحت إنتظارات الخارج هي العامل الحاكم.
1- ينتظر رئيس مجلس النواب نبيه بري أن تتوضّح التباسات اجتماع المجموعة الخماسية في نيويورك ومدى فداحة الإنشطار بين باريس من جهة، وواشنطن والدوحة والرياض من جهة ثانية، لكي يقرّر مصير حواراته السباعية التي سبق أن دعا إليها في ٣١ آب الفائت من غير أن يحدّد بعد آلياتها. وتبقى عثرة أخرى متمثّلة في اشتراطات التيار الوطني الحر ومقاطعة قوى في المعارضة وعدم الحماسة الخارجية له، على الرغم ممّا يُنسب الى عواصم معنية من مواقف غير دقيقة.
2- ينتظر الثنائي الشيعي، لكي يُحدّد خطواته، التطور الإيراني - الأميركي وكذلك السعودي - الإيراني، ومصير المجموعة الخماسية والدور الفرنسي المتضائل، وانعكاس الخلافات على مرشحه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. الثنائي في مأزق، حتى لو كابر وأعلن التمسّك والثبات. فمغامرته هذه قد تكون وخيمة النتيجة، وخصوصا على الضلع، رئيس حركة أمل، ربطا بالتهديد الأميركي وسيف العقوبات.
3-تنتظر القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي، كلّ منهما على ضفّة، تَوَضُّح الملابسات الأخيرة في نيويورك للبناء على الشيء مقتضاه. قبلها، لم ينفع لقاء باريس بين كلٍّ من النائبين ملحم رياشي ووائل أبو فاعور والمستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا في استخلاص العبرة، ما خلا ثابتة سعودية وحيدة: الإبتعاد قدر الإمكان عن الغمّ اللبناني، أما الحكم فعلى النتيجة التي سيؤول إليها الإستحقاق الرئاسي. إن أجاد اللبنانيون خيارهم، جادت المملكة. وإن تعثّروا أو رضوا استنساخ التجارب السابقة، فليتحمّلوا مسؤولية قرارهم.
4- ينتظر قائد الجيش العماد جوزاف عون الأحوال الخارجية واتجاه الريح. سبق أن نُقل عنه أن «موضوع الرئاسة لا يهمني ولا يعنيني ولم يبحثه معي أحد ولم أبحثه مع أحد». لكن ثمة من سارع إلى التصدّي للذين رأوا في هذا الكلام سحبا للترشيح من التداول أو إنسحابا، فأوضح مقرّبون من الرجل أن «ما نُقل أتى في خارج سياقه». إذ إن المقصود «لم يفاتحني أحد بالموضوع. ولمّا تتم مفاتحتي لكل حادث حديث».
5- ينتظر الشتات السنّي الفرج الخارجي بعد الضيق المحلي. يكاد يكون هذا الإنتظار الأقلّ وطأة بين الأقران، لكن ثقله يزيد كلّما زاد عدم اليقين. لا ريب أن الحياكة السعودية قلّلت من القلق وأعادت بعض الإطمئنان مخافة تسويات يدفع ثمنها الأضعف حضورا راهنا، لكنها لا تكفي وحدها ما لم تُقرن بخروج سريع من حال التشتّت والانكفاء.
6- يخوض فرنجية الإنتظار الأكبر، يراقب بحسرة وقلق التخلي الفرنسي عنه، والإفتراق السعودي البائن، والحراك القطري المستعر خلافَ مصلحته، واللامبالاة الأميركية، والبرودة المصرية، وفقر الحال الروسي. ينتظر بصمت تأثير كل ذلك في ترشيحه ومآله السياسي. لا يقين بعد، لكن الفرصة تبتعد عنه شيئا فشيئا. هو يدرك ذلك، وكذلك حلقته الضيّقة. وحقّه على حزب الله أن يمنحه فرصة حفظ ماء الوجه في حال (متى؟) آن أوان التسويات.
7- للتيار الوطني الحر إنتظار محلي واحد لا غير. مآل حواره مع حزب الله في اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة والصندوق الإئتماني، واستطرادا مشروع بناء الدولة. يتوقّف على النتائج حسم القرار، في اتجاه البحث الجدي في ترشيح فرنجية حال رسو الإتفاق في برّ مجلس النواب، أو الإنتقال إلى المرشّح الثالث، وهو الخيار الأشد قربا إلى عقل التيار.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك